فصل: باب جامع ما في التدبير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب بيع المكاتب

1504- قال مالك ان احسن ما سمع في الرجل يشتري مكاتب الرجل انه لا يبيعه اذا كان كاتبه بدنانير او دراهم الا بعرض من العروض يعجله ولا يؤخره لانه اذا اخره كان دينا بدين وقد نهي عن الكالىء بالكالىء قال وان كاتب المكاتب سيده بعرض من العروض من الابل او البقر او الغنم او الرقيق فانه يصلح للمشتري ان يشتريه بذهب او فضة او عرض مخالف للعروض التي كاتبه سيده عليها يعجل ذلك ولا يؤخره قال ابو عمر منع من ذلك لما يدخله من النسيئة في بيع دنانير او دراهم بعضها ببعض لان ما على المكاتب يؤخذ نجوما فلا يحل بيعه بالنقد ولا بالنسيئة لانه صرف إلى اجل وكذلك لا يجوز شراء عرض على المكاتب بعرض غير معجل لان النجوم مؤجلة فلو تاخر العرض كان من الدين بالدين وكذلك لا يجوز عند مالك بيع عرض بعرض من جنسه لانه يدخله الربا من اجل انه عرض بعرض مثله وزيادة وكذلك اختلف العلماء في بيع المكاتب فقال جمهور العلماء لا يباع الا على ان يمضي في كتابته عند مشتريه ولا يبطلها وهذا عندي بيع الكتابة لا بيع الرقبة وقالت طائفة بيعه جائز ما لم يؤد من كتابته شيئا لان بريرة بيعت ولم تكن ادت من كتابتها شيئا وقال اخرون اذا رضي المكاتب بالبيع جاز لسيده بيعه هذا قول ابي الزناد وربيعة وهو قول الشافعي ومالك ايضا الا ان مالكا اختلف قوله في كيفية تعجيز المكاتب على ما نذكره بعد ولا يرى بيع رقبة المكاتب الا بعد التعجيز واما الشافعي فاذا رضي المكاتب بالبيع فهو منه رضى بالتعجيز وتعجيزه إليه لا إلى سيده لان بريرة رضيت ان تباع وهي كانت المساومة لنفسها والمختلفة بين سادتها الذين كاتبوها وبين عائشة التي اشترتها وقال اخرون لا يجوز ان تباع الا للعتق فكذلك بيعت بريرة هذا قول الاوزاعي واحمد واسحاق وقال اخرون لا يجوز ان تباع حتى تعجز فاذا عجزت نفسها جاز بيعها وذكروا ان بريرة عجزت نفسها وللمكاتب عندهم ان يعجز نفسه كان له مال ظاهر او لم يكن وسنذكر الاختلاف في ذلك بعد ان شاء الله تعالى وقال اخرون لا يجوز بيع المكاتب ويجوز بيع كتابة المكاتب على انه ان عجز فللذي اشترى كتابته رقبته وان مات المكاتب ورثه دون البائع وان ادى كتابته إلى الذي اشترى كان ولاؤه للبائع الذي عقد كتابته هذا قول مالك واصحابه وقال اخرون لا يجوز بيع المكاتب لما في ذلك من نقد العقد له وقد امر الله تعالى بالوفاء بالعقود ولانه يدخله بيع الولاء وكذلك لا يجوز بيع كتابته ولا بيع شيء مما بقي منها عليه والبيع في ذلك كله فاسد مردود لان ذلك غرر لا يدري العجز المكاتب ام لا ولا يدري المشتري ما يحصل عليه بصفقته رقبة المكاتب او كتابته وان حصل على رقبته كان في ذلك بيع الولاء هذا كله قول ابي حنيفة واصحابه واما اختلافهم في تعجيز المكاتب فكان مالك يقول لا يعجزه سيده الا عند السلطان او القاضي او الحاكم وهو قول بن ابي ليلى وبه قال سحنون وقال بن القاسم اذا رضي المكاتب بالعجز دون السلطان لزمه ذلك وقال بن القاسم ولا يجوز له ان يعجز نفسه اذا كانت له اموال ظاهرة فان عجز ثم ظهرت له اموال مضى التعجيز ما لم يعلم بالمال وقال بن كنانة وبن نافع للمكاتب ان يعجز نفسه وان كان له مال ظاهر وروى بن وهب في ‏(‏موطئه‏)‏ عن مالك مثل قول بن نافع وبن كنانة وهذه المسالة عند اصحابنا على قولين‏.‏

وقال الشافعي وابو حنيفة للمكاتب ان يعجز نفسه ويعجزه سيده عند غير السلطان اذا كانا في بلد واحد وحضرة واحدة وذلك بان يقول المكاتب ليس عندي شيء ويقول السيد اشهدوا اني قد عجزته وفعل ذلك بن عمر وقضى به شريح والشعبي وقال الشعبي وابو حنيفة للسيد ان يعجز المكاتب بحلول نجم من نجومه قال الشافعي لا يعجز السلطان المكاتب الغائب الا ان يثبت عنده الكتابة وحلول نجم من نجومه ويحلفه ما ابراه ولا قبضه منه ولا انذره به فاذا فعل عجزه له ويجعل المكاتب على حجته ان كانت له قال واما اذا اراد المكاتب ابطال كتابته وادعى العجز فذلك إليه علم له مال او لم يعلم وعلمت له قوة على الكسب او لم تعلم هذا إليه ليس إلى سيده وقال ابو يوسف لا يعجزه حتى يجتمع عليه نجمان وهو قول الحكم وبن ابي ليلى والحسن بن حي وقال الثوري منهم من يقول نجمان والاستثناء احب الي وقال احمد وكان احب الي وقال الحارث العكلي اذا دخل نجم في نجم فقد استبان عجزه وقال الحسن البصري اذا كانت نجومه مساقاة استسعى بعد النجم سنتين وقال الاوزاعي يستاني به شهرين وقال محمد بن الحسن عنه وعن اصحابه ان كان له مال حاضر او غائب يرجو قدومه اجله يومين او ثلاثة لا زيادة على ذلك وقال الاوزاعي اذا قال قد عجزت عن الاداء وعجز نفسه لم يمكن من ذلك قال ابو عمر هذا ليس بشيء لان كتابته مضمنه بالاداء فاذا لم يكن الاداء باقراره بالعجز على نفسه انفسخت كتابته وكان هو وماله لسيده والاصل في الكتابة لانها لا تجب عند من اوجبها الا بابتغاء العبد لها وطلبه اياها وتعجيزه نفسه نقض لذلك وقد اجمعوا في ذلك ان المكاتب لعبده ان جئتني بكذا وكذا دينار إلى اجل كذا فلم يجبه بها انه لا يلزمه شيء قال مالك احسن ما سمعت في المكاتب انه اذا بيع كان احق باشتراء كتابته ممن اشتراها اذا قوي ان يؤدي إلى سيده الثمن الذي باعه به نقدا وذلك ان اشتراءه نفسه عتاقه والعتاقة تبدا على ما كان معها من الوصايا وان باع بعض من كاتب المكاتب نصيبه منه فباع نصف المكاتب او ثلثه او ربعه او سهما من اسهم المكاتب فليس للمكاتب فيما بيع منه شفعة وذلك انه يصير بمنزلة القطاعة وليس له ان يقاطع بعض من كاتبه الا باذن شركائه وان ما بيع منه ليست له به حرمة تامة وان ماله محجوز عنه وان اشتراءه بعضه يخاف عليه منه العجز لما يذهب من ماله وليس ذلك بمنزلة اشتراء المكاتب نفسه كاملا الا ان ياذن له من بقي له فيه كتابة فان اذنوا له كان احق بما بيع منه قال ابو عمر راى مالك - رحمه الله - الشفعة واجبة للمكاتب اذا باع سيده ما عليه من كتابته ما عليه لما في ذلك من تعجيل عتقه ولم ير له شفعة اذا بيع بعض ما عليه لانه لا تتم شفعته في ذلك عتقه ثم راى ان ذلك باذن من بقي له فيه كتابة لانه مع الضرر الذي عليه في ذلك قد رضوا به وكان سحنون يقول هذا حرف سوء الا ان ياذن في ذلك الشريك الاخر وكذلك رواه بن القاسم عن مالك في المكاتب بين الرجلين يبيع احدهما نصيبه منه ان المكاتب لا يكون احق بذلك من المشتري الا ان ياذن في ذلك الشريك الاخر لانه لا يفضي بذلك إلى عتاقه وانما يكون ذلك له اذا بيعت كتابته كلها لان ذلك يفضي إلى عتق قال سحنون قوله الا ان ياذن له في ذلك الشريك الاخر حرف سوء قال ابو عمر قد قال بقول مالك في شفعة المكاتب قوم من التابعين منهم عطاء وابى ذلك غيرهم من العلماء لان الشفعة انما وردت في الاصول التي تقع فيها الحدود وسنبين هذا المعنى عند اختلاف اصحاب مالك وقولهم في الشفعة في الدين لمن هو عليه اذا بيع من غيره ان شاء الله تعالى واما الشافعي وابو حنيفة واصحابهما وكل من لا يجوز عنده بيع كتابة المكاتب فليس للشفعة ذكر في كتبهم ها هنا والمسالة مسالة اتباع ذكر عبد الرزاق قال اخبرنا بن جريج عن الحسن بن مسلم قال بلغني ان المكاتب يباع هو احق بنفسه ياخذها بما بيع قال بن جريج وقال عطاء من بيع عليه دين فهو احق به ياخذه بالثمن ان شاء قال واخبرنا معمر عن رجل من قريش ان عمر بن عبد العزيز قضى في المكاتب اشترى ما عليه بعروض وجعل المكاتب اولى بنفسه ثم قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏من ابتاع دينا على رجل إلى اجل فصاحب الدين اولى بالذي عليه اذا ادى ما ادى صاحبه قال معمر وقال الزهري رايت القضاة يقضون في من اشترى دينا على رجل ان صاحب الدين اولى به وكان عمر بن عبد العزيز يقضي به قال معمر واما اهل الكوفة فلا يرونه شيئا قال مالك ‏(‏1‏)‏ لا يحل بيع نجم من نجوم المكاتب وذلك انه غرر ان عجز المكاتب بطل ما عليه وان مات او افلس وعليه ديون للناس لم ياخذ الذي اشترى نجمه بحصته مع غرمائه شيئا وانما الذي يشتري نجما من نجوم المكاتب بمنزلة سيد المكاتب فسيد المكاتب لا يحاص بكتابه غلامه غرماء المكاتب وكذلك الخراج ايضا يجتمع له على غلامه فلا يحاص بما اجتمع له من الخراج غرماء غلامه قال ابو عمر هو غرر كما ذكر مالك رحمه الله من اجل ما وصف من عجز المكاتب الا ان من خالفه في بيع كتابة المكاتب يقول ان مالكا لم يجز الغرر في نجم واجازه في نجوم وكثير الغرر لا يجوز باجماع وقليله متجاوز عنه لانه لا يسلم بيع من قليل الغرر وقال المزني عن الشافعي بيع نجوم المكاتب مفسوخ فان ادى إلى المشتري باذن سيده عتق كما يودي إلى وكيله فيعتق وقد تقدم ذكر من قال بانه لا يجوز بيع كتابة المكاتب ولا نجم من نجومه الا بما يجوز به سائر البيوع وقد اختلف اصحاب مالك في المكاتب يكون بين الشريكين يبيع احدهما حصته من كتابته او نجما من نجومه فذكر العتبي في سماع بن القاسم من مالك انه كره ذلك وقال اما ان يباع كله واما ان يمسك كله قال سحنون انما يكره بيع نجم من نجومه فاما نصف ما عليه او ثلثه او ربعه فلا باس بذلك وقال سحنون واصبغ انما يكره بيع النجم بعينه فاذا لم يكن بعينه لم نر بذلك باس لانه يرجع إلى حد معلوم وكانه اشترى عشر الكتابة او نصف عشرها او ربع عشرها وروى اصبغ عن بن القاسم قال مالك لا باس بان يشتري المكاتب كتابته بعين او عرض مخالف لما كوتب به من العين او العرض او غير مخالف معجل او مؤخر قال ابو عمر اجاز ذلك للمكاتب بعرض غير مخالف وبعرض مؤخر لما تقدم من مذهبه انه لا ربا بين العبد وسيده وكذلك عنده المكاتب وقد مضى ما لمن خالفه في ذلك من العلماء قال مالك في المكاتب يهلك ويترك ام ولد وولدا له صغارا منها او من غيرها فلا يقوون على السعي ويخاف عليهم العجز عن كتابتهم قال تباع ام ولد ابيهم اذا كان في ثمنها ما يؤدى به عنهم جميع كتابتهم امهم كانت او غير امهم يؤدى عنهم ويعتقون لان اباهم كان لا يمنع بيعها اذا خاف العجز عن كتابته فهؤلاء اذا خيف عليهم العجز بيعت ام ولد ابيهم فيؤدى عنهم ثمنها فان لم يكن في ثمنها ما يؤدى عنهم ولم تقو هي ولا هم على السعي رجعوا جميعا رقيقا لسيدهم قال ابو عمر قد بين مالك - رحمه الله - انه لما كان للمكاتب ان يبيع ام ولده اذا خاف العجز كان ذلك لولده عند خوف العجز هذا اذا كان في بيعها خلاصهم من الرق ولا اعلم اصحابه اختلفوا في ذلك وانما اختلفوا في ام ولد المكاتب اذا مات وترك وفاء بكتابته على حالها بعد موته فقال بن القاسم اذا كان معها ولد عتقت وان لم يكن معها ولد فهي رقيق وقال اشهب تعتق وان لم يكن معها ولد اذا ترك المكاتب وفاء قال ابو عمر عند الشافعي - رحمه الله - ومن قال بقوله ام ولد المكاتب مال من ماله وماله كله لسيده اذا مات قبل ان يؤدي جميع كتابته وولده ان لم يقدروا على السعي فهم رقيق وان قدروا على السعي سعوا في ما يلزمهم من الكتابة على قدر قيمتهم وعند ابي حنيفة اذا مات المكاتب وترك مالا فيه وفاء فكانه مات حرا ويعتق اولاده بعتقه اذا ادى عنهم من ماله جميع كتابته وان لم يترك وفاء فان اولاده يقال لهم ان اديتم الكتابة حالة عتقتم والا فانتم رقيق وقال ابو يوسف يسعون في الكتابة على نجومها فان ادوها عتقوا ولا يجوز عند ابي يوسف ومحمد بيع المكاتب لام ولده ويجوز عند ابي حنيفة وهو مذهب الشافعي واذا لم يجز ذلك له فاحرى ان لا يجوز لولده قال مالك الامر عندنا في الذي يبتاع كتابه المكاتب ثم يهلك المكاتب قبل ان يؤدي كتابته انه يرثه الذي اشترى كتابته وان عجز فله رقبته وان ادى المكاتب كتابته إلى الذي اشتراها وعتق فولاؤه للذي عقد كتابته ليس للذي اشترى كتابته من ولائه شيء قال ابو عمر قد تقدم هذا المعنى وقول مالك فيه وقول سائر العلماء في اول هذا الباب وقد تقدم في ضرر ذلك الحجة للمخالف واما الحجة لمالك فان المشتري قد حل في كتابة المكاتب محل سيده الذي عقد له الكتابة فدخل في عموم قول الله تعالى ‏(‏واحل الله البيع‏)‏ ‏[‏البقرة 275‏]‏‏.‏

الا انه لم يحل محله في الولاء ان ادى إليه الكتابة فرارا من بيع الولاء فان عجز المكاتب ولم يؤد كتابته إلى المشتري ملك رقبته كما لو ان سيد المكاتب مات وورث عنه بنوه المكاتب لم يكن لهم عليه الا اداء الكتابة اليهم فاذا اداها عتق وكان ولاؤه لابيهم الذي عقد له الكتابة ولو عجز كان رقيقا لهم يملكون رقبته ولو اعتقوه قبل العجز او وهبوا له الكتابة كان ولاؤه لابيهم لانه عقد كتابته فلما لم يرث منه بنوه الا ما كان له ان ينتقل عنه بالعوض والهبة وذلك مال المكاتب دون الولاء فكذلك المشتري لم يملك من ذلك الا ما يجوز له ان ينتقل عنه وهو المال دون الولاء‏.‏

باب سعي المكاتب

1505- مالك انه بلغه ان عروة بن الزبير وسليمان بن يسار سئلا عن رجل كاتب على نفسه وعلى بنيه ثم مات هل يسعى بنو المكاتب في كتابة ابيهم ام هم عبيد فقالا بل يسعون في كتابة ابيهم ولا يوضع عنهم لموت ابيهم شيء قال مالك وان كانوا صغارا لا يطيقون السعي لم ينتظر بهم ان يكبروا وكانوا رقيقا لسيد ابيهم الا ان يكون المكاتب ترك ما يؤدى به عنهم نجومهم إلى ان يتكلفوا السعي فان كان فيما ترك ما يؤدى عنهم ادي ذلك عنهم وتركوا على حالهم حتى يبلغوا السعي فان ادوا عتقوا وان عجزوا رقوا قال ابو عمر قد قال بقول عروة وسليمان الذي عليه بنى مالك مذهبه في هذا الباب ابراهيم النخعي ذكر ابو بكر قال حدثني جرير عن منصور عن ابراهيم في النفر يكاتبون جميعا فيموت احدهم قال يسعى الباقون فيما كوتبوا عليه جميعا وعبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن ابراهيم قال اذا كاتب اهل بيت كتابة واحدة فمن مات منهم فالمال على الباقي منهم وهذا كقول مالك في انهم اذا كوتبوا كتابة واحدة فهم حملاء بعضهم عن بعض لا يعتقون الا باداء جميع الكتابة وقد تقدم هذا المعنى في باب الحمالة في الكتابة وسواء عند مالك كانوا اجنبيين او اقارب او ابا كاتب على نفسه وبنيه اذا كانت الكتابة واحدة لا يوضع عنهم بموت احدهم شيء من الكتابة ولا يعتقون الا باداء جميعها وحكمهم عند مالك اذا كوتبوا كتابة واحدة كحكم المكاتب يولد له ولد في كتابته من سريته انه لا يوضع عن الام بموت ابنها ولا عن الابن بموت ابيه شيء من الكتابة واما الشافعي والثوري وسائر الكوفيين كقولهم ان كل من كاتب على نفسه وولده او على اجنبي معه ثم مات هو او غيره ممن تضمنته الكتابة فانه يوضع عن الباقين حصته من الكتابة واما الذي لا يسقط بموته شيء فهو من كان تبعا لابيه ممن ولد له في كتابته من سريته وهو قول جماعة من التابعين منهم الحسن والشعبي وعطاء وعمرو بن دينار ذكر ابو بكر قال حدثني حفص قال سالت عمرو بن عبيد ما كان الحسن يقول في ذلك قال كان يرفع عنهم حصة الميت منهم قال‏.‏

وحدثني وكيع عن الحسن بن صالح عن اشعث عن الشعبي مثله قال‏.‏

وحدثني الفضل بن دكين عن بن ابي عتبة عن الحكم مثله وذكر عبد الرزاق قال اخبرنا بن جريج عن عطاء قال ان كاتبت عبدا لك وله بنون فكاتب على نفسه وعنهم فمات ابوهم او مات منهم ميت فقيمته يوم يموت توضع من الكتابة او ثمنه كما لو اعتقه قال وقال عمرو بن دينار مثله قال بن جريج قلت لعمرو ارايت ان كان الذي مات او عتق قيمة الكتابة كلها قال يقام هو وبنوه فان بلغ مائة دينار وكاتب مكاتبهم ست مئة دينار فاطرح ثمن الذي اعتق او مات سدس المائة الدينار قال ابو عمر اختلف العلماء في اعتبار حصة الذي يموت او يعتق فقال بعضهم بالقيمة وهو قول الشافعي وهو الثمن عند عطاء ومن قال بقوله وقال اخرون حصته على قدر غناه وكسبه وحاله وقال اخرون حصته على الرؤوس بالسواء قال بن جريج عن ابي مليكة اذا كاتب على نفسه وعلى بنيه فهم فيه سواء وذو الفضل وغير ذي الفضل والمراة والرجل في ذلك سواء ومن مات منهم فحصته سواء وقال معمر بلغني في مكاتب كاتب على نفسه وبنيه فمات الاب او مات منهم ميت فانه يوضع عنهم بقدر قيمة الميت من قدر الكتابة قال وان كان العتق فكذلك قال ابو عمر لا اعلم خلافا ان السيد اذا اعتق احدهم انه يسقط حصته عن غيره منهم وليس له عند مالك ان يعتق الذي هو اقدر على السعي بهم لانه غرر بهم وستاتي هذه المسالة في بابها واما المكاتب يولد له في كتابته او المكاتبة تنكح فيولد لها فان مات في بيتهما لا يوضع عنهما بذلك شيء من كتابتهما عند جماعة فقهاء الحجاز والعراق لان الكتابة انما انعقدت على الاب او الام وما حدث من البنين لهما في الكتابة فهم تبع لهما يعتقون بعتق كل واحد منهما ويرقون برقهما قال واخبرنا بن جريج قال قال لي عطاء ان كاتبته ولا ولد له ثم ولد له من سرية له فمات ابوهم لم يوضع عنهم لموته شيء وكانوا على كتابة ابيهم ان شاؤوا وان ابوا كانوا رقيقا وان اعتق انسان منهم لم يوضع عنهم به شيء من اجل انه لم يكن في كتابة ابيهم وبن جريج عن عمرو بن دينار مثله وزاد عمرو قال ولو اعتق ابوه - يعني بنيه الذين ولدوا بعد كتابته ومعمر عن قتادة قال ان ولد للمكاتب ولد بعد الكتابة فاعتق او مات لم يحط بذلك شيء ذكر عبد الرزاق عن الثوري في المكاتبة يولد لها في كتابتها مثل ذلك قال ابو عمر لا يختلفون في ذلك قال ابو حنيفة ان مات المكاتب ولم يترك مالا وترك ابنا ولد له في كتابته خلف ابنه فيسعى في الكتابة على نجومها فاذا ادى عتق ابنه قال مالك في المكاتب يموت ويترك مالا ليس فيه وفاء الكتابة ويترك ولدا معه في كتابته وام ولد فارادت ام ولده ان تسعى عليهم انه يدفع اليها المال اذا كانت مامونة على ذلك قوية على السعي وان لم تكن قوية على السعي ولا مامونة على المال لم تعط شيئا من ذلك ورجعت هي وولد المكاتب رقيقا لسيد المكاتب قال ابو عمر خالفه الشافعي والكوفيون فقالوا ام ولد والمكاتب اذا مات مال من مال سيده فان لم يستطع ولده السعي في جميع كتابته فهم رقيق وقد تقدم هذا المعنى عنهم وحجة كل واحد منهم قال مالك اذا كاتب القوم جميعا كتابة واحدة ولا رحم بينهم فعجز بعضهم وسعى بعضهم حتى عتقوا جميعا فان الذين سعوا يرجعون على الذين عجزوا بحصة ما ادوا عنهم لان بعضهم حملاء عن بعض قال ابو عمر اختلف اصحاب مالك في هذا الباب فقال بن القاسم لا يرجع على من لو ملكه وهو حر عتق عليه ورجع على ما سواه من القرابات وكذلك قال بن نافع وقال اشهب اذا كانوا قرابة فلا يرجع عليهم كانوا ممن يعتقون عليه لو ملكهم وهو حرام لا يعتقون عليه وكانوا ممن يرثون ام ممن لا يرثون لان اداءه عنهم اما هو على وجه العطف والصلة وهو كقوله الشافعي لانه قال لا ينصرف عليهم الا ان يشترطه لانه تطوع بذلك عنهم وقال بن كنانة ان كانوا يتوارثون فلا يرجع عليهم وقال المغيرة يرجع عليهم كائنا ما كانوا لان اداءه عنهم انما هو من باب الحمالة قال ابو عمر اما الشافعي فمذهبه ان ما عدا الوالد وان علا من الاباء والولد وان سفل من الابناء فانهم يعتقون على من ملكهم فان كان معه في كتابة واحدة من يعتق عليه وادى بعضهم عن بعض لم يرجع على سائرهم بشيء لانهم يعتقون عليه لو ملكهم وكذلك الاخ عند مالك من أي وجه كان مع الاب وان علا او الابن وان سفل وكذلك كل ذي رحم محرم عند ابي يوسف ومحمد والثوري ولابي حنيفة في ذلك قولان احدهما الابن وحده والاخر كقول ابي يوسف‏.‏

باب عتق المكاتب اذا ادى ما عليه قبل محله

1506- مالك انه سمع ربيعة بن ابي عبد الرحمن وغيره يذكرون ان مكاتبا كان للفرافصة بن عمير الحنفي وانه عرض عليه ان يدفع إليه جميع ما عليه من كتابته فابى الفرافصة فاتى المكاتب مروان بن الحكم وهو امير المدينة فذكر ذلك له فدعا مروان الفرافصة فقال له ذلك فابى فامر مروان بذلك المال ان يقبض من المكاتب فيوضع في بيت المال وقال للمكاتب اذهب فقد عتقت فلما راى ذلك الفرافصة قبض المال قال مالك فالامر عندنا ان المكاتب اذا ادى جميع ما عليه من نجومه قبل محلها جاز ذلك له ولم يكن لسيده ان يابى ذلك عليه وذلك انه يضع عن المكاتب بذلك كل شرط او خدمة او سفر لانه لا تتم عتاقة رجل وعليه بقية من رق ولا تتم حرمته ولا تجوز شهادته ولا يجب ميراثه ولا اشباه هذا من امره ولا ينبغي لسيده ان يشترط عليه خدمة بعد عتاقته قال مالك في مكاتب مرض مرضا شديدا فاراد ان يدفع نجومه كلها إلى سيده لان يرثه ورثة له احرار وليس معه في كتابته ولد له قال مالك ذلك جائز له لانه تتم بذلك حرمته وتجوز شهادته ويجوز اعترافه بما عليه من ديون الناس وتجوز وصيته وليس لسيده ان يابى ذلك عليه بان يقول فر مني بماله قال ابو عمر اما قضاء مروان على الفرافصة بن عمير فقد روي ذلك عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان - رضي الله عنهما - واظن مروان بلغه ذلك فقضى به وكذلك قضى عمرو بن سعيد في امارته ذكر عبد الرزاق قال اخبرنا اسرائيل بن يونس قال اخبرنا عبد العزيز بن رفيع عن ابي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال كاتب رجل غلاما له على اواق سماها ونجمها عليه نجوما فاتاه العبد بماله كله فابى ان يقبله الا على نجومه رجاء ان يرثه فاتى عمر بن الخطاب فاخبره فارسل إلى سيده فابى ان ياخذها فقال عمر خذها فاطرحه في بيت المال واعطه نجومه وقال للعبد اذهب فقد عتقت فلما راى ذلك سيد العبد قبل المال قال واخبرنا معمر عن ايوب عن ابي قلابة قال كاتب عبد على اربعة الاف او خمسة الاف فجاء بها إلى سيده فقال خذها جميعا وصلني فابى سيده الا ان ياخذها في كل سنة نجما رجاء ان يرثه فاتى عثمان بن عفان فذكر ذلك له فدعاه عثمان فعرض عليه ان يقبلها من العبد فابى فقال للعبد ائتني بما عليك فاتاه به فجعله في بيت المال وكتب له عتقا وقال للمولى ائتني كل سنة فخذ نجما فلما راى ذلك اخذ ماله وكتب عتقه قال واخبرنا بن جريج قال اخبرني عطاء ان مكاتبا عرض على سيده بقية كتابته فابى سيده فقال له عمرو بن سعيد وهو امير مكة هلم ما بقي عليك فضعه في بيت المال وانت حر وخذ انت نجومك في كل عام فلما راى ذلك سيده اخذ ماله قال واخبرنا بن جريج قال اخبرني بن مسافع عن مروان انه قضى بمثل هذه القضية في وردان قال ابو عمر على هذا مضى القضاء عند جمهور الفقهاء بالحجاز والشام والعراق وبه قال احمد واسحاق وذكر المزني عن الشافعي ويجبر السيد على قبول النجم اذا عجله له المكاتب واحتج في ذلك بعمر بن الخطاب قال الشافعي اذا كانت دنانير او دراهم او ما لا يتغير على طول العهد الحديد والنحاس وما اشبهه واما ما يتغير على المكث او كانت لحمولته مؤنة فليس عليه قبوله الا في موضعه قال فان كان في طريق حرابة او في بلد فيه نهب لم يلزمه قبوله الا ان يكون في ذلك الموضع كاتبه فيلزمه قبوله قال ابو عمر وجه قول مالك على سيد المكاتب قبول الكتابة منه مريضا كان المكاتب او صحيحا لان المكاتبة عقد عتق على صفة وهي الاداء فاذا اداها لزم السيد قبولها فان امتنع من ذلك اجبر عليه لانه حق للمكاتب ومعلوم ان التاخير انما كان رفقا بالمكاتب لا بالسيد فاذا رضي المكاتب بتعجيل الكتابة لم يكن لامتناع السيد من ذلك وجه الا الاضرار فوجب ان يمنع منه ويجبر على القبول للمال لما فيه من الخير لهما جميعا وبالله التوفيق‏.‏

باب ميراث المكاتب اذا عتق

1507- مالك انه بلغه ان سعيد بن المسيب سئل عن مكاتب كان بين رجلين فاعتق احدهما نصيبه فمات المكاتب وترك مالا كثيرا فقال يؤدى إلى الذي تماسك بكتابته الذي بقي له ثم يقتسمان ما بقي بالسوية قال ابو عمر قول مالك في هذه المسالة كقول سعيد بن المسيب على اختلاف عنه وعن اصحابه في بعض معناها وقد ذكرنا ذلك عنهم في باب القطاعة في الكتابة وقد اختلف السلف في هذه المسالة على اقوال فذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال سالت عطاء عن عبد بين رجلين اعتق احدهما شطره وامسك الاخر ثم مات قال لهم ميراثه شطرين بينهما وقاله عمرو بن دينار قال واخبرنا معمر عن ايوب عن اياس بن معاوية انه قضى بمثل قول عطاء وعن معمر عن بن طاوس عن ابيه مثله وقول احمد بن حنبل كقول عطاء وطاوس واياس قال واخبرنا معمر عن الزهري قال ميراثه للذي امسك قال واخبرنا بن جريج قال قال لي بن شهاب الرق يغلب النسب فهو للعتق اغلب قال واخبرنا معمر عن قتادة قال ميراثه للذي اعتق ويكون لصاحبه ثمنه قال معمر واما بن شبرمة فقال ولاؤه وميراثه للاول لانه قد ضمنه حين اعتقه وللشافعي فيها قولان احدهما ان ما خلفه المكاتب اذا مات فبينهما الشطران يرثه المعتق لنصيبه بقدر الحرية فيه ويرثه الاخر بقدر العبودية فيه والاخر مثل قول سعيد بن المسيب وقول الثوري كقول بن شبرمة وهو قول ابي يوسف وسنزيد هذه المسالة بيانا في باب العتق ان شاء الله تعالى قال مالك اذا كاتب المكاتب فعتق فانما يرثه اولى الناس بمن كاتبه من الرجال يوم توفي المكاتب من ولد او عصبة قال وهذا ايضا في كل من اعتق فانما ميراثه لاقرب الناس ممن اعتقه من ولد او عصبة من الرجال يوم يموت المعتق بعد ان يعتق ويصير موروثا بالولاء قال ابو عمر على هذا قول جمهور الفقهاء ان ميراث الولاء لا يرثه الا العصبات من الرجال دون النساء وان النساء لا يرثن الا ولاء من اعتقن او كاتبن او يعتق من اعتقن او كاتبن ولا يستحق ميراث من مات من الموالي الا اقعد الناس بمن اعتقه واقربه إليه يوم يموت المولي من عصبته والعصبة البنون ثم بنوهم وان سفلوا ثم الاب بعد ولده وولد ولده ثم الاخوة لانهم بنو الاب ثم بنو الاخوة وان سفلوا ثم الجد او الاب ثم العم لانه بن الجد ثم بنو العم وعلى هذا التنزيل وهذا المجرى يجري ميراث الولاء وروى بن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري انه اخبره عن سالم ان بن عمر كان يرث موالي عمر دون بنات عمر وهو قول علي وزيد وبن مسعود وعليه جمهور اهل العلم القائلون بان الولاء للكبر ومعنى الولاء للكبر أي للاقرب فالاقرب من المعتق السيد حين يموت المعتق المولي ولم يجعلوه مشتركا بين ذوي الفروض والعصبات على طريق الفرائض مثال ذلك اخوان ورثا مولى كان ابوهما قد اعتقه فمات احد الاخوين وترك ولدا ومات المولى فمن قال ‏(‏الولاء للكبر‏)‏ قال الميراث للاخ دون بن الاخ وهو قول اكثر اهل العلم الا شريحا وفرقة لانهم جعلوا ميراث الولاء كميراث المال ذكر حماد بن سلمة عن قتادة ان شريحا قال في رجل ترك جده وابنه قال للجد السدس من الولاء وما بقي فللابن قال قتادة وقال زيد بن ثابت الولاء كله للابن قال حماد وسالت عنها اياس بن معاوية فقال كله للابن وقال كل انسان له فريضة مسماة فليس له من الولاء شيء قال ابو عمر يعني ان كل من لا يرث الا بفرض مسمى فلا يدخل له في ميراث الولاء واما من يرث في حال بفرض مسمى وفي حال بالتعصيب فانه لا يكون له شيء من الولاء في الحال التي له فيها فرض مسمى وان كان قد يكون عصبة في موضع اخر فيكون له الولاء قال مالك الاخوة في الكتابة بمنزلة الولد اذا كوتبوا جميعا كتابة واحدة اذا لم يكن لاحد منهم ولد كاتب عليهم او ولدوا في كتابته او كاتب عليهم ثم هلك احدهم وترك مالا ادي عنهم جميع ما عليهم من كتابتهم وعتقوا وكان فضل المال بعد ذلك لولده دون اخوته قال ابو عمر معنى قوله ان الاخوة اذا كاتب عليهم جروا مجرى البنين الذين ولدوا في كتابته او كاتب عليهم يرثونه بعد اداء كتابته مما يخلفه فاذا ادوا الكتابة من المال الذي تركه ورثوا الفضل كما يصنع البنون الذين ولدوا معه في كتابته او كاتب عليهم سواء اذا لم يكن معهم في الكتابة بنون ورثوه دون الاخوة الذين معهم في الكتابة ولا يرثه الا من معه في كتابته دون بنيه الاحرار وغيرهم اذا كانوا بنين واخوة هذا كله قول مالك رحمه الله ومذهبه وقد مضى ما للعلماء من التنازع والاختلاف في هذا الباب فاغنى ذلك عن تكراره‏.‏

باب الشرط في المكاتب

1508- قال مالك في رجل كاتب عبده بذهب او ورق واشترط عليه في كتابته سفرا او خدمة او ضحية ان كل شيء من ذلك سمى باسمه ثم قوي المكاتب على اداء نجومه كلها قبل محلها قال اذا ادى نجومه كلها وعليه هذا الشرط عتق فتمت حرمته ونظر إلى ما شرط عليه من خدمة او سفر او ما اشبه ذلك مما يعالجه هو بنفسه فذلك موضوع عنه ليس لسيده فيه شيء وما كان من ضحية او كسوة او شيء يؤديه فانما هو بمنزلة الدنانير والدراهم يقوم ذلك عليه فيدفعه مع نجومه ولا يعتق حتى يدفع ذلك مع نجومه قال ابو عمر هكذا هو في ‏(‏الموطا‏)‏ عند رواته وذكر بن عبد الحكم في المختصر الصغير عن مالك انه لا باس ان يشترط الرجل على مكاتبه سفرا او خدمة يؤدي ذلك إليه مع كتابته وزعم بن الجهم ان هذا خلاف لما في ‏(‏الموطا‏)‏ وليس ذلك عندي بخلاف لان ما ذكره بن عبد الحكم انما هو جواز ما تنعقد عليه الكتابة والذي ذكره مالك في ‏(‏الموطا‏)‏ حكم ذلك تعجيل المكاتب كتابته وقد اختلف الفقهاء قديما وحديثا في هذا المعنى فمنهم من لم ير ان يثبت على المكاتب خدمة بعد اداء نجومه ولا بعد عتقه ومنهم من راى ان السيد في ذلك على شرطه ولا يعتق المكاتب حتى يخدم وياتي بجميع ما شرط عليه وحجة من ذهب إلى هذا حديث موسى بن عقبة وايوب بن موسى وعبيد الله بن عمر وغيرهم عن نافع عن بن عمر ان عمر بن الخطاب اعتق في وصيته كل مصل من سبي العرب في مال الله وشرط عليهم ان يخدموا الخليفة بعده ثلاث سنوات ومنهم من يروي في هذا الحديث انه نبه ‏(‏على ‏)‏ عتقهم في مرضه وشرط عليهم ان يخدموا الخليفة بعده ثلاث سنين ومعمر عن بن شهاب قال اعتق عمر بن الخطاب رقيق الامارة وشرط عليهم ان يخدموا الخليفة بعده ثلاث سنين وانه يصحبكم بمثل ما كنت اصحبكم به وابتاع احدهم خدمته من عثمان بوصيف له وممن راى ان الشرط باطل بن المسيب وشريح وعطاء قال بن جريج قلت لعطاء شرطوا على المكاتب انك تخدمنا شهرا بعد العتق قال لايجوز وقال عمرو بن دينار ما ارى كل شرط اشترط عليه في الكتابة الا جائزا بعد العتق ومعمر عن بن المسيب عن قتادة قال كل شرط بعد العتق فهو باطل وقاله بن شهاب قال ابو عمر القياس الا يعتق الا بعد الخروج مما شرط عليه لانه عتق نصفه فلا يقع بوجودها وليست الكتابة اشتراء منه لنفسه من سيده لانه لو كان كذلك لم يعد بالعجز عن الاداء رقيقا ولكان ذلك في ذمته كسائر اثمان السلع المبيعة بالنظرة ولم يجب لهذا ان العبد ان يعتقه سيده على ان يخدمه سنين معلومة انه لا يعتق الا بذلك وقيل قيل ان مالكا انما اسقط عن المكاتب اذا عجل نجومه الخدمة اليسيرة والاسفار القليلة وليس في قول مالك في ‏(‏الموطا‏)‏ ما يدل على ذلك ولا يهمنا القول ايضا معنى الا التحكم في الفرق بين يسير الخدمة وكثيرها قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه ان المكاتب بمنزلة عبد اعتقه سيده بعد خدمة عشر سنين فاذا هلك سيده الذي اعتقه قبل عشر سنين فان ما بقي عليه من خدمته لورثته وكان ولاؤه للذي عقد عتقه ولولده من الرجال او العصبة قال ابو عمر هذا يقضي بصحة ما رواه بن عبد الحكم دون ما رسمه في ‏(‏موطئه‏)‏ في المسالة قبل هذه وعلى هذا قول فقهاء الحجاز والعراق والشام ومصر قال مالك في الرجل يشترط على مكاتبه انك لا تسافر ولا تنكح ولا تخرج من ارضي الا باذني فان فعلت شيئا من ذلك بغير اذني فمحو كتابتك بيدي قال مالك ليس محو كتابته بيده ان فعل المكاتب شيئا من ذلك وليرفع سيده ذلك إلى السلطان وليس للمكاتب ان ينكح ولا يسافر ولا يخرج من ارض سيده الا باذنه اشترط ذلك او لم يشترطه وذلك ان الرجل يكاتب عبده بمائة دينار وله الف دينار او اكثر من ذلك فينطلق فينكح المراة فيصدقها الصداق الذي يجحف بماله ويكون فيه عجزه فيرجع إلى سيده عبدا لا مال له او يسافر فتحل نجومه وهو غائب فليس ذلك له ولا على ذلك كاتبه وذلك بيد سيده ان شاء اذن له في ذلك وان شاء منعه قال ابو عمر اما قوله ليس للمكاتب ان ينكح فهو قول اكثر اهل العلم قال الشافعي وابو حنيفة ليس للمكاتب ان ينكح الا باذن سيده ولا يتسرى بحال قال ابو عمر هذا على اصل مذهبهما ان العبد لا يتسرى بحال لانه لا يملك وستاتي مسالة تسري العبد في موضعها ان شاء الله تعالى ذكر عبد الرزاق قال اخبرني رجل من قيس قال سالت ابا حنيفة هل يكتب في كتابة المكاتب ‏(‏انك لا تخرج الا باذني‏)‏ قال لا قلت لم قال لانه ليس له ان يمنعه وان يبتغي من فضل الله والخروج من الطلب قال فهل يكتب له ان لا يتزوج الا باذنه قال ان كتبه فحسن وان لم يكتبه فليس له ان يتزوج الا باذنه قلت له فهل يقول غيرك ان له ان يتزوج وان لم يشترط ذلك عليه قال نعم قلت افيكتبه اذا خاف غيركم قال نعم قال ابو عمر لم يسمع عبد الرزاق ان هذه المسالة من ابي حنيفة كما ترى وقد سمع منه كثيرا‏.‏

وأما السفر للمكاتب فالاكثر من العلماء يستحبونه للمكاتب ولا يجيزون للسيد ان يشترط عليه الا يسافر كما قال ابو حنيفة وقد اختلف في ذلك اصحاب ابي حنيفة ومالك ففي ‏(‏المدونة‏)‏ قال بن القاسم اذا كان الموضع القريب الذي لا يضر سيده في نجومه فله ان يسافر إليه وهذا خلاف ظاهر ما في ‏(‏الموطا‏)‏ وقال سحنون لا يجوز ان يشترط عليه ان لا يسافر الا باذنه في بعض الاقاويل وله ان يسافر بغير اذنه وان اشترطه عليه وللمكاتب ان يخرج فيسعى وكيف يسعى اذا منع من السفر وقال بن الماجشون في كتابه اذا كان البلد ضيق المتاجر لم يجز شرطه عليه الا يسافر الا باذنه لانه يحول بينه وبين اداء كتابته قال ابو عمر في هذه المسالة ثلاثة اقوال لسائر العلماء احدها ان للمكاتب ان يسافر باذن سيده وبغير اذنه ولا يجوز ان يشترط عليه سيده ان لا يسافر الا باذنه وممن قال بهذا الشافعي وابو حنيفة والحسن بن صالح واحمد واسحاق ورواية عن الثوري وهو قول سعيد بن جبير والشعبي والقول الثاني قول مالك في ‏(‏موطئه‏)‏ والقول الثالث ان له ان يخرج في اسفاره الا ان يشترط سيده الا يخرج فيلزمه ما الزمه من ذلك قال ابو ثور وغيره واحمد واسحاق ورواية عن الثوري واما ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد وزفر فقالوا للمكاتب والمكاتبة ان يخرجا حيث احبا وليس لمولاهما ان يمنعهما ذلك وان كان اشترط ذلك عليهما فالشرط باطل اما النكاح فلا‏.‏

وقال أحمد وسفيان واسحاق لا ينكح الا باذن السيد الا ان يشترط عليه في عقد الكتابة ان لا ينكح فيلزمه‏.‏

باب ولاء المكاتب اذا اعتق

1509- قال مالك ان المكاتب اذا اعتق عبده ان ذلك غير جائز له الا باذن سيده فان اجاز ذلك سيده له ثم عتق المكاتب كان ولاؤه للمكاتب وان مات المكاتب قبل ان يعتق كان ولاء المعتق لسيد المكاتب وان مات المعتق قبل ان يعتق المكاتب ورثه سيد المكاتب قال مالك وكذلك ايضا لو كاتب المكاتب عبدا فعتق المكاتب الاخر قبل سيده الذي كاتبه فان ولاءه لسيد المكاتب ما لم يعتق المكاتب الاول الذي كاتبه فان عتق الذي كاتبه رجع إليه ولاء مكاتبه الذي كان عتق قبله وان مات المكاتب الاول قبل ان يؤدي او عجز عن كتابته وله ولد احرار لم يرثوا ولاء مكاتب ابيهم لانه لم يثبت لابيهم الولاء ولا يكون له الولاء حتى يعتق قال ابو عمر قد خالفه الشافعي وغيره قال الشافعي وان اعتق المكاتب عبده او كاتبه باذن سيده ففيهما قولان احدهما انه لا يجوز لان الولاء لمن اعتق والثاني انه يجوز وفي الولاء قولان احدهما ان ولاءه موقوف فان عتق الاول المكاتب كان له وان لم يعتق حتى يموت فالولاء للسيد من قبل انه عند عبده عتق والثاني ان الولاء لسيد المكاتب بكل حال لانه عتق في حين لا يكون له في عتقه ولاء فان مات عبد المكاتب المعتق بعد ما يكتب وقف ميراثه في قول من اوقف الميراث كما وصفت فان عتق المكاتب الذي اعتقه فهو له وان مات وان عجز فلسيد المكاتب اذا كان حيا يوم يموت وان كان ميتا فلورثته من الرجال ميراثه وفي القول الثاني هو لسيد المكاتب لان ولاءه له قال المزني في ‏(‏الاملاء‏)‏ على كتاب مالك انه لو كاتب المكاتب عبده فاذا لم يعتق كما لو اعتقه لم يعتق قال المزني هذا اشبه عندي وقال ابو حنيفة اذا اعتق المكاتب عبده فعتقه له باطل اجاز ذلك السيد او لم يجزه وقال محمد بن الحسن محتجا لابي حنيفة ومذهبه في ذلك محال ان يقع عتقه في ذلك غير جائز ثم يجوز اذا اجازه السيد قال ابو عمر مما يدخل في هذا الباب من اقاويل السلف قال بن جريج قلت لعطاء كان للمكاتب عبد فكاتبه فعتق ثم مات لمن ميراثه قال من كان قبلكم يقولون هو للذي كاتبه يستعين به في كتابته وعن الثوري عن مغيرة عن ابراهيم انه سئل عن المكاتب يعتق عبدا له قال افلا يبدا بنفسه ‏!‏ وبه عن ابراهيم في عبد كان لقوم فاذنوا له ان يشتري عبدا فيعتقه ثم باعوه باعه قال الولاء للاولين الذين اذنوا وقال الثوري في رجل كاتب عبدا له على اربعة الاف فاشترى العبد نفسه من المكاتبة فعتق قال يكون الولاء لسيد المكاتب قال مالك في المكاتب يكون بين الرجلين فيترك احدهما للمكاتب الذي له عليه ويشح الاخر ثم يموت المكاتب ويترك مالا قال مالك يقضي الذي لم يترك له شيئا ما بقي له عليه ثم يقتسمان المال كهيئته لو مات عبدا لان الذي صنع ليس بعتاقة وانما ترك ما كان له عليه قال مالك ومما يبين ذلك ايضا انهم اذا اعتق احدهم نصيبه ثم عجز المكاتب لم يقوم على الذي اعتق نصيبه ما بقي من المكاتب ولو كانت عتاقة قوم عليه حتى يعتق في ماله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏من اعتق شركا له في عبد قوم عليه قيمة العدل فان لم يكن له مال عتق منه ما عتق‏)‏ قال مالك ومما يبين ذلك ايضا ان من سنة المسلمين التي لا اختلاف فيها ان من اعتق شركا له في مكاتب لم يعتق عليه في ماله ولو عتق عليه كان الولاء له دون شركائه ومما يبين ذلك ايضا ان من سنة المسلمين ان الولاء لمن عقد الكتابة وانه ليس لمن ورث سيد المكاتب من النساء من ولاء المكاتب وان اعتقن نصيبهن شيء انما ولاؤه لولد سيد المكاتب الذكور او عصبته من الرجال قال ابو عمر قد احتج مالك رحمه الله فاوضح وبين مذهبه وشرح ومن الخلاف في ذلك ان الشافعي قال ولو كان مكاتبا بين اثنين فوضع احدهما عنه نصيبه من الكتابة وابراه منه فهو كعتقه ويقوم عليه ان كان موسرا والولاء له وهو قول الكوفيين واحمد واسحاق قال ولو مات المكاتب ولم يقوم عليه لاعساره فالمال بينهما نصفان قال ولو مات السيد فابراه ورثته او بعضهم من الكتابة فانه يبرا من نصيب من ابراه ويعتق نصيبه كما لو ابراه الذي كاتبه من الكتابة عتق ومعنى الباب قد تقدم في باب القطاعة في الكتابة والحمد لله‏.‏

باب ما لا يجوز من عتق المكاتب

1510- قال مالك اذا كان القوم جميعا في كتابة واحدة لم يعتق سيدهم احدا منهم دون موامرة اصحابه الذين معه في الكتابة ورضا منهم وان كانوا صغارا فليس مؤامرتهم بشيء ولا يجوز ذلك عليهم قال وذلك ان الرجل ربما كان يسعى على جميع القوم ويؤدي عنهم كتابتهم لتتم به عتاقتهم فيعمد السيد إلى الذي يؤدي عنهم وبه نجاتهم من الرق فيعتقه فيكون ذلك عجزا لمن بقي منهم وانما اراد بذلك الفضل والزيادة لنفسه فلا يجوز ذلك على من بقي منهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لا ضرر ولا ضرار‏)‏ وهذا اشد الضرر قال مالك في العبيد يكاتبون جميعا ان لسيدهم ان يعتق منهم الكبير الفاني والصغير الذي لا يؤدي واحد منهما شيئا وليس عند واحد منهما عون ولا قوة في كتابتهم فذلك جائز له قال ابو عمر قوله هذا صحيح على اصله في العبيد يكاتبون كتابة واحدة انهم حملاء بعضهم عن بعض ولا يصح من مذهب من جعلهم حملاء بعضهم من بعض ما قاله مالك رحمه الله وقد ذكرنا من خالفه في هذا الاصل ومن وافقه فيه من سائر العلماء في باب الحمالة في الكتابة وذكرنا اقوالهم في السيد يعتق بعض من كاتبه من عبيده كتابة واحدة انه يلزمه فيه العتق ويسقط من الكتابة عن اصحابه بقدر المعتق وان منهم من قال بالقيمة ومنهم من قال بقدر الغنى والحال ومنهم من قال على السواء في عددهم على الرؤوس بما اغنى عن اعادته ها هنا‏.‏

باب ما جاء في عتق المكاتب وام ولده

1511- قال مالك في الرجل يكاتب عبده ثم يموت المكاتب ويترك ام ولده وقد بقيت عليه من كتابته بقية ويترك وفاء بما عليه ان ام ولده امه مملوكة حين لم يعتق المكاتب حتى مات ولم يترك ولدا فيعتقون باداء ما بقي فتعتق ام ولد ابيهم بعتقهم قال ابو عمر قد تقدم ذكر ما لمذاهب العلماء في المكاتب يموت ويترك وفاء في كتابته وانه عبد ان لم يترك بنين ولدوا في كتابته او اخوة كاتب عليهم انه يموت عبدا وماله الذي يخلفه لسيده وانه ان ترك بنين او اخوة كاتب عليهم ادوا عنه جميع الكتابة وعنهم في ذلك المال وورثوا الفضل في هذه المسالة في هذا الباب لم يترك ولدا ولا اخوة ولم يترك ام ولد وهي مال من ماله فهي لسيده لانه مات عبدا وعند الشافعي يموت عبدا على كل حال وماله لسيده ان مات وقد بقي عليه من كتابته درهم وام ولده كسائر ماله عنده ومذهب الكوفي قد ذكرناه فيما تقدم واختلف اصحاب مالك في ام ولد المكاتب يموت قبل الاداء ويترك لمكاتبه وفاء ما جاز لها فقال بن القاسم ان كان معها ولد عتقت وان لم يكن معها ولد فهي رقيق اذا ترك المكاتب وفاء قال ابو عمر قول بن القاسم صحيح على مذهب مالك في ‏(‏موطئه‏)‏ وغير ‏(‏موطئه‏)‏ وقال اشهب ليس بشيء مما وصفنا ولانهم - اعني مالكا واصحابه - لم يختلفوا ان للمكاتب ان يبيع ام ولده في دين لا يجد له قضاء ويبيعها اذا خاف العجز فهي كسائر ماله واذا مات قبل الاداء مات عبدا وماله لسيده قال مالك في المكاتب يعتق عبدا له أو يتصدق ببعض ماله ولم يعلم بذلك سيده حتى عتق المكاتب قال مالك ينفذ ذلك عليه وليس للمكاتب ان يرجع فيه فان علم سيد المكاتب قبل ان يعتق المكاتب فرد ذلك ولم يجزه فانه ان عتق المكاتب وذلك في يده لم يكن عليه ان يعتق ذلك العبد ولا ان يخرج تلك الصدقة الا ان يفعل ذلك طائعا من عند نفسه قال ابو عمر لم يختلفوا ان المكاتب ليس له ان يهلك ماله ويتلفه ولا شيئا منه الا بمعروف وان هبته وصدقته بغير التافة اليسير وعتقه كل ذلك باطل مردود اذا كان بغير اذن سيده واختلفوا اذا اذن له سيده او اجاز له عتقه على ما قدمنا ذكره وكذلك اجمعوا ان له ان ينفق على نفسه من كسبه في كل ما يحتاج إليه من كسوته وقوته بالمعروف وانه في تصرفه في البيع والشراء بغير محاباة ولا غبن كالاحرار‏.‏

وقال الشافعي المكاتب ممنوع من استهلاك ماله وان يبيع الا بما يتغابن الناس بمثله ولا يهب الا باذن سيده ولا يكفر في شيء من الكفارات الا بالصوم وهو في بيعه وشرائه وفي الشفعة عليه وله في ما بينه وبين سيده والاجنبي سواء وقال المكاتب لا يبيع بدين ولا يهب لثواب واقراره في البيع جائز قال ولو كانت له على مواليه دنانير ولمولاه عليها مثلها فجعل ذلك قصاصا جاز قال ولو كانت احداهما دراهم والاخرى دنانير فاراد ان يجعلهما قصاصا لم يجز قال ابو عمر على اصله ان ما اعتقه المكاتب بغير اذن سيده لم ينفذ قبل عتقه ولا بعد عتقه واما ما تصدق ووهبه بغير اذن سيده ولم يعلم الا بعد اداء كتابته وعتقه فانه ينفذ منه كلما قبضه الموهوب له والمتصدق عليه وقال بقول مالك ان العتق نافذ ماض والصدقة والهبة اذا لم يعلم السيد بذلك حتى عتق المكاتب جماعة من العلماء قال ابو عمر اتفق مالك والشافعي وابو حنيفة والثوري انه لا ينبغي لسيد المكاتب ان يبيع منه درهما بدرهمين‏.‏

باب الوصية في المكاتب

1512- قال مالك ان احسن ما سمعت في المكاتب يعتقه سيده عند الموت ان المكاتب يقام على هيئته تلك التي لو بيع كان ذلك الثمن الذي يبلغ فان كانت القيمة اقل مما بقي عليه من الكتابة وضع ذلك في ثلث الميت ولم ينظر إلى عدد الدراهم التي بقيت عليه وذلك انه لو قتل لم يغرم قاتله الا قيمته يوم قتله ولو جرح لم يغرم جارحه الا دية جرحه يوم جرحه ولا ينظر في شيء من ذلك إلى ما كوتب عليه من الدنانير والدراهم لانه عبد ما بقي عليه من كتابته شيء وان كان الذي بقي عليه من كتابته اقل من قيمته لم يحسب في ثلث الميت الا ما بقي عليه من كتابته وذلك انه انما ترك الميت له ما بقي عليه من كتابته فصارت وصية اوصى بها قال مالك وتفسير ذلك انه لو كانت قيمة المكاتب الف درهم ولم يبق من كتابته الا مائة درهم فاوصى سيده له بالمائة درهم التي بقيت عليه حسبت له في ثلث سيده فصار حرا بها قال ابو عمر يريد انه اذا اوصى رجل بمكاتبه مما بقي عليه من كتابته حسب في الثلث الاول من ذلك او من ثمن رقبته ويقوم عبدا فاذا قام ثلث سيده الاول من ثمن رقبته او مما بقي عليه خرج حرا وكذلك لو اعتقه في مرضه الذي مات فيه قومت رقبته عبدا في قيمته فان قومت ذلك الثلث خرج حرا كما يقوم لو قتله قاتل او جرحه جارح قوم عبدا وقوله احسن ما سمعت يدل انه قد سمع فيما رسمه غير ذلك وقد اختلف بن القاسم وغيره في مسالة هذا الباب فقال بن القاسم اذا اوصى سيد المكاتب بعتقه او بكتابته لم يدخل في ذلك من ثلثه الا الاقل من قيمة الرقبة او قيمة الكتابة ذكره سحنون في ‏(‏المدونه‏)‏ قاله وقال غيره الاقل من قيمة الرقبة او الكتابة نفسها لا قيمة المكاتبة قال ابو عمر اما تقويم الكتابة فواجب لانها عوض فاما الكتابة فان كانت عينا فلا وجه لتقويمها وان كانت عرضا فيمكن تقويمها وان كان المبتغى في القيمة الاقل منها ليتوفر الثلث ولا يضيق عن سائر الوصايا واما الشافعي فيجيز الوصية بمكاتبة المكاتب لم يختلف قوله في ذلك ادى الكتابة إلى الموصى له عتق والولاء لمن عقد كتابته واختلف قوله في الوصية لرقبته فمرة قال لا يجوز ذلك لانه لا يملكها ملكا صحيحا الا بالعجز وليس له بيعه ولا تعجيزه الا باقراره له بالعجز وليس للمكاتب عنده ان يعجز نفسه على ما ذكرناه عنه فيما تقدم كان له مال او قوة على الكسب او لم يكن وقد قال ان الوصية برقبته جائزة لان ذلك يعود إلى كتابته وذلك كله في ملكه واختاره المزني وقال كيف لا يجوز ما يصنع في ملكه قال مالك في رجل كاتب عبده عند موته انه يقوم عبدا فان كان في ثلثه سعة لثمن العبد جاز له ذلك قال مالك وتفسير ذلك ان تكون قيمة العبد الف دينار فيكاتبه سيده على مائتي دينار عند موته فيكون ثلث مال سيده الف دينار فذلك جائز له وانما هي وصية اوصى له بها في ثلثه فان كان السيد قد اوصى لقوم بوصايا وليس في الثلث فضل عن قيمة المكاتب بدىء بالمكاتب لان الكتابة عتاقة والعتاقة تبدا على الوصايا ثم تجعل تلك الوصايا في كتابة المكاتب يتبعونه بها ويخير ورثة الموصي فان احبوا ان يعطوا اهل الوصايا وصاياهم كاملة وتكون كتابة المكاتب لهم فذلك لهم وان ابوا واسلموا المكاتب وما عليه إلى اهل الوصايا فذلك لهم لان الثلث صار في المكاتب ولان كل وصية اوصى بها احد فقال الورثة الذي اوصى به صاحبنا اكثر من ثلثه وقد اخذ ما ليس له قال فان ورثته يخيرون فيقال لهم قد اوصى صاحبكم بما قد علمتم فان أحببتم ان تنفذوا ذلك لاهله على ما اوصى به الميت والا فاسلموا اهل الوصايا ثلث مال الميت كله قال فان اسلم الورثة المكاتب إلى اهل الوصايا كان لاهل الوصايا ما عليه من الكتابة فان ادى المكاتب ما عليه من الكتابة اخذوا ذلك في وصاياهم على قدر حصصهم وان عجز المكاتب كان عبدا لاهل الوصايا لا يرجع إلى اهل الميراث لانهم تركوه حين خيروا ولان اهل الوصايا حين اسلم اليهم ضمنوه فلو مات لم يكن لهم على الورثة شيء وان مات المكاتب قبل ان يؤدي كتابته وترك مالا هو اكثر مما عليه فماله لاهل الوصايا وان ادى المكاتب ما عليه عتق ورجع ولاؤه إلى عصبة الذي عقد كتابته قال ابو عمر اما قوله في رجل كاتب عبده عند موته انه يقوم عبدا فان كان في ثلثه سعة لثمن العبد جاز ذلك فعلى هذا جمهور العلماء وشذ اهل الظاهر فقالوا ذلك في راس ماله وكذلك عندهم كل عطية بتلة في المرض والحجة عليهم حديث عمران بن حصين في الذي اعتق ستة اعبد له عند موته لا مال له غيرهم فاسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعه فهذه قضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ان فعل المريض في ماله اذا مات من مرضه ذلك حكمه حكم الوصايا وسنذكر هذا الحديث وما فيه من المعاني لسائر العلماء في موضعه ان شاء الله عز وجل واما قوله ان كان في ثلثه سعة لثمن العبد فذلك جائز - يعني للعبد - وانما هو وصية اوصى له بها في ثلثه كانه يعني اوصى له بثمانمائة دينار لانه كاتبه بمائتي دينار وقيمة العبد الف دينار وثلث سيده الف دينار فينبغي على هذا ان يكون اربعة اخماس العبد حرا لان من قول مالك في الرجل يوصي لعبده بثلث ماله انه يعتق في الثلث ان حمله ويعطى بعد عتقه ما فضل من الثلث ان فضل منه شيء وهو قول ابي حنيفة والثوري والليث والحسن بن صالح في الرجل يوصي لعبده وخالفهم الاوزاعي فقال من اوصى لعبده فوصيته باطل ويرجع ذلك إلى الورثة واما قوله في الورثة واذا قالوا ما اوصى به صاحبنا اكثر من الثلث انهم يخيرون بين ان يسلموا للموصى له ما اوصى له به وبين ان يعطوه جميع ثلث الميت فان هذه المسالة لمالك واصحابه وطائفة من اهل المدينة تعرف بمسالة خلع الثلث قد خالفهم فيها الشافعي والكوفيون واكثر الفقهاء وقالوا لا يجوز ذلك لانه بيع مجهول بمعلوم وتاتي في موضعها ان شاء الله تعالى قال مالك في المكاتب يكون لسيده عليه عشرة الاف درهم فيضع عنه عند موته الف درهم قال مالك يقوم المكاتب فينظر كم قيمته فان كانت قيمته الف درهم فالذي وضع عنه عشر الكتابة وذلك في القيمة مائة درهم وهو عشر القيمة فيوضع عنه عشر الكتابة فيصير ذلك إلى عشر القيمة نقدا وانما ذلك كهيئته لو وضع عنه جميع ما عليه ولو فعل ذلك لم يحسب في ثلث مال الميت الا قيمة المكاتب الف درهم وان كان الذي وضع عنه نصف الكتابة حسب في ثلث مال الميت نصف القيمة وان كان اقل من ذلك او اكثر فهو على هذا الحساب قال ابو عمر ذكر بن عبد الحكم هذه المسالة فقال ومن كاتب عبده على عشرة الاف درهم فوضع عنه الف درهم فانه يطرح في ثلث مال الميت الاقل من عشر قيمة رقبته او من عشر كتابته ولو وضع عنه نصف كتابته او ثلثها كان كذلك ثم يوضع عن المكاتب من كل نجم عشره ويعتق منه عشره وهذا خلاف ما لمالك في هذه المسالة لانه لم يعتبر في قوله في ‏(‏الموطا‏)‏ الا قيمة الرقبة خاصة وفي رواية بن عبد الحكم يعتبر الاقل من قيمة الرقبة والكتابة فهذا موضع الخلاف بين الروايتين ومعنى هذه المسالة في اعتبار الاقل من قيمة العبد او الكتابة الاحتياط للثلث والتوفير على اهل الوصايا فيه وانما هذا عند ضيق الثلث قال مالك اذا وضع الرجل عن مكاتبه عند موته الف درهم من عشرة الاف درهم ولم يسم انها من اول كتابته او من اخرها وضع عنه من كل نجم عشره قال ابو عمر غيره يقول يعتق منه عشره قال ابو عمر واما مالك فقوله على اصله مطرد لانه لا يرى وضع احد الشريكين عتقا ويساوي بين الانجم لياخذ حقه من كل نجم لان معجل الانجم افضل من مؤخرها وان من جعل وضع الشريك وغير الشريك سواء في انه عتق فقوله يعتق منه عشرة مطرد على اصله وقد قيل انه يوضع عن المكاتب عشر كتابته في اخرها ليخرج به حرا فينتفع المكاتب بذلك ولو وضع في صدر الكتابة ثم عجز ذهب ذلك باطلا قال مالك واذا وضع الرجل عن مكاتبه عند موته الف درهم من اول كتابته او من اخرها وكان اصل الكتابة على ثلاثة الاف درهم قوم المكاتب قيمة النقد ثم قسمت تلك القيمة فجعل لتلك الالف التي من اول الكتابة حصتها من تلك القيمة بقدر قربها من الاجل وفضلها ثم الالف التي تلي الالف الاولى بقدر فضلها ايضا ثم الالف التي تليها بقدر فضلها ايضا حتى يؤتى على اخرها تفضل كل الف بقدر موضعها في تعجيل الاجل وتاخيره لان ما استاخر من ذلك كان اقل في القيمة ثم يوضع في ثلث الميت قدر ما اصاب تلك الالف من القيمة على تفاضل ذلك ان قل او كثر فهو على هذا الحساب وهذا كله على ما قاله مالك على اصله ومذهبه ومعلوم ان اول نجم من نجوم المكاتب اكثر قيمة من الاخر لان المتعجل بين الناس اغبط من المتاخر فاذا علم ذلك عتق من المكاتب بقدر الالف المعجل بالغا ما بلغ من كتابته كان ذلك نصفها او ربعها او ما كان من اجزائها وكذلك العمل في الالف الذي من اخر الكتاب على حسب قيمته ايضا قال مالك في رجل اوصى لرجل بربع مكاتب او اعتق ربعه فهلك الرجل ثم هلك المكاتب وترك مالا كثيرا اكثر مما بقي عليه قال مالك يعطى ورثة السيد والذي اوصى له بربع المكاتب ما بقي لهم على المكاتب ثم يقتسمون ما فضل فيكون للموصى له بربع المكاتب ثلث ما فضل بعد اداء الكتابة ولورثة سيده الثلثان وذلك ان المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء فانما يورث بالرق قال ابو عمر وانما يقتسمون اثلاثا لان حصة الحرية التي للربع لا يؤخذ بها شيء فرجع ذلك إلى النصف والربع فصار النصف الثلثين والربع الثلث بما رجع إليه من حصة الحرية لان المعتق بعضه اذا مات كان ماله لمن له فيه الرق عند مالك وليس لمن اعتق منه شيء وسنذكر اختلافهم في هذه المسالة في كتاب العتق ان شاء الله تعالى قال مالك في مكاتب اعتقه سيده عند الموت قال ان لم يحمله ثلث الميت عتق منه قدر ما حمل الثلث ويوضع عنه من الكتابة قدر ذلك ان كان على المكاتب خمسة الاف درهم وكانت قيمته الفي درهم نقدا ويكون ثلث الميت الف درهم عتق نصفه ويوضع عنه شطر الكتابة هكذا هذه المسالة في ‏(‏الموطا‏)‏ وذكرها بن عبد الحكم فقال اذا اعتق المكاتب سيده عند الموت فانه يقوم ما بقي عليه من الكتابة وتقام رقبته فان كانت قيمة الكتابة اقل من قيمة رقبته وضع ذلك في ثلث سيده وان كانت قيمته اقل من قيمة كتابته وضع ذلك في الثلث الاول منهما ثم يخرج حرا بتلك القيمة قال ابو عمر وهذا خلاف ما رواه يحيى في ‏(‏الموطأ‏)‏ في هذه المسألة وقد تقدم لمالك في ‏(‏الموطأ‏)‏ اصل ما ذكره بن عبد الحكم ومضى القول فيه قال مالك في رجل قال في وصيته غلامي فلان حر وكاتبوا فلانا تبدا العتاقة على الكتابة وذكر بن عبد الحكم هذه المسألة وزاد فان فضل شيء خير الورثة بين ان يمضوه مكاتبا او يعتقوا ما حمل الثلث منه بتلا قال ابو عمر انما بدا بالعتاقة لانه عتق متيقن وحرمته قد ثبتت والكتابة ليست كذلك لانه قد يعجز صاحبها فيعود رقيقا وسنذكر مذاهب العلماء في ما يبدا من الوصايا في كتاب الوصايا ان شاء الله تعالى‏.‏

كتاب المدبر

باب القضاء في ولد المدبرة

1513- قال مالك الامر عندنا فيمن دبر جارية له فولدت اولادا بعد تدبيره اياها ثم ماتت الجارية قبل الذي دبرها ان ولدها بمنزلتها قد ثبت لهم من الشرط مثل الذي ثبت لها ولا يضرهم هلاك امهم فاذا مات الذي كان دبرها فقد عتقوا ان وسعهم الثلث قال ابو عمر اختلف العلماء في ولد المدبرة الذين تلدهم بعد تدبير سيدها لها من نكاح او زنى فقال الجمهور من العلماء ولدها بعد تدبيرها بمنزلتها يعتقون بعتقها ويرقون برقها ومعنى قولهم يعتقون بعتقها أي بموت سيدها واما لو اعتقها سيدها في حياته لم يعتقوا بعتقها وممن قال ان ولد المدبرة بمنزلتها كقول مالك سواء سفيان والاوزاعي وابو حنيفة واصحابه والحسن بن صالح وبن ابي ليلى وبن شبرمة والليث بن سعد واحمد بن إسحاق وهو احد قولي الشافعي وروي ذلك عن عثمان وبن مسعود وبن عمر وجابر ولا اعلم لهم مخالفا من الصحابة وبه قال شريح ومسروق وسعيد بن المسيب وابو جعفر محمد بن علي والقاسم بن محمد والحسن البصري وبن سيرين ومجاهد والشعبي وابراهيم والزهري وعطاء على اختلاف عنه وطاوس وسعيد بن جبير ويحيى بن سعيد والشافعي في هذه المسالة كل هؤلاء يقولون ولد المدبرة بمنزلتها يعتقون بعتقها وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز وللشافعي في هذه المسالة قول اخر وهو ان اولاد المدبرة مملوكون لا يعتقون بموت السيد وهو قول جابر بن زيد ابي الشعثاء وعطاء بن ابي رباح ومكحول وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز واختاره المزني من قول الشافعي قال وهو اشبههما بقول الشافعي لان التدبير عنده وصية يعتقها كما لو اوصى برقبتها لم يدخل في الوصية ولدها قال ابو عمر لم يدخل البويطي عنه هذه القولة وذكر عنه القولة الاولى فقال اذا دبر الرجل امته فولدها بمنزلتها يعتقون بعتقها ويرقون برقها ويقومون في الثلث كما تقوم الام وله ان يرجع فيمن دون الام ويرجع في الام دونهم وذكر المزني عنه هذا القول ثم قال قال الشافعي والقول الثاني ان ولدها مملوكون وذلك انها امة اوصى بعتقها لصاحبها فيها الرجوع ويبيعها ان شاء وليست الوصية بحرمة ثابتة فاولادها مملوكون قال الشافعي واخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن ابي الشعثاء قال اولادها مملوكون وروى الشافعي وغيره عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب انه قال اذا دبر الرجل جاريته فولدها بمنزلتها قال حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني ابو قلابة الرقاشي قال حدثني ابو عاصم عن بن جريج عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد قال ولد المدبرة عبيد وذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني عبد الاعلى عن بردة عن مكحول في اولاد المدبرة قال يبيعهم سيدهم ان شاء قال ابو عمر من جعلهم بمنزلة امهم فانهم على ما اجمعوا عليه في اولاد الحرة انهم احرار وفي اولاد الامة انهم عبيد ومن قال انهم عبيد قد اجمعوا على انه لو قال لامته اذا دخلت الدار بعد سنة فانت حرة فدخلت الدار ان ولدها لا يعتقون بدخولها واجمع ان الموصي بعتقها لا يدخل ولدها في الوصية ان لم يوص بهم واما قول مالك في اخر هذه المسالة ان وسعهم الثلث فعلى هذا القول ايضا جمهور العلماء ان المدبر في الثلث وهو قول مالك والشافعي وابي حنيفة واصحابهم والثوري والاوزاعي والحسن بن صالح واحمد واسحاق وابي ثور وروي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال شريح وسعيد بن المسيب والشعبي والحسن وبن سيرين وعمر بن عبد العزيز ومكحول وبن شهاب الزهري وحماد بن ابي سليمان وروى فيه حديثا مسندا انفرد به علي بن ظبيان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏المدبر من الثلث‏)‏ وهذا خطا من علي بن ظبيان لم يتابع عليه وانما يرويه غيره عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر وقوله علي بن ظبيان كان قاضيا ببغداد تركوه لهذا الحديث وشبهه فهو عندهم متروك الحديث وقد ذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني وكيع عن سفيان عن خالد عن ابي قلابة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏المدبر من الثلث‏)‏ قال‏.‏

وحدثني بن ادريس عن الاشعث عن الشعبي ان عليا رضي الله عنه كان يجعل المدبر من الثلث وان عامرا كان يفعله وقالت طائفة المدبر من راس المال روي ذلك عن عبد الله بن مسعود الا انه لم يروه الا جابر الجعفي عن القاسم بن عبد الرحمن عن مسروق عن بن مسعود وانما هو عن مسروق صحيح لا عن بن مسعود رواه جماعة من اهل الحديث عن إسماعيل بن ابي خالد عن الشعبي ان شريحا كان يقول ‏(‏ المدبر من الثلث وكان مسروق يقول من راس المال فقلت للشعبي ايهما كان اعجب اليك فقال مسروق كان افقههما وشريح كان اقضاهما وروى بن عيينة عن عبد الملك بن سعيد بن ابجر عن الشعبي عن شريح انه جعل المدبر من الثلث وجعله مسروق من راس المال قال ابو عمر الجمهور على قول شريح وقد قال بقول مسروق في ذلك ابراهيم النخعي وسعيد بن جبير والليث بن سعد وزفر بن الهذيل كل هؤلاء يقولون المدبر من راس المال وروي عن ابراهيم وحماد روايتان احداهما من الثلث والاخرى من راس المال وقال بن عيينة كان بن ابي ليلى اول ما قضى جعل المدبر منة راس المال ثم رجع فجعله من الثلث قال ابو عمر قد اجمعوا ان سائر ما يقع بعد الموت في الثلث فكذلك المدبر‏.‏

وقال مالك كل ذات رحم فولدها بمنزلتها ان كانت حرة فولدت بعد عتقها فولدها احرار وان كانت مدبرة او مكاتبة او معتقة إلى سنين او مخدمة او بعضها حرا او مرهونة او ام ولد فولد كل واحدة منهن على مثال حال امه يعتقون بعتقها ويرقون برقها قال ابو عمر اما المرهونة والمخدمة فالخلاف بينهما من جماعة منهم الشافعي يرى اولادهما عبيدا قياسا على المستاجرة والموصى بها واما ولد ام الولد من زوج او من زنى فالخلاف بينهما من جماعة في ولدها عن عمر بن عبد العزيز ومكحول كانا يقولان ان اولادها عبيد يبتاعون وبه قال اهل الظاهر قال ابو عمر روى القعنبي وبن وهب عن العمري عن نافع عن بن عمر قال ولد ام الولد بمنزلتها ولا اعلم له من الصحابة مخالفا واما القياس فولد كل امراة غيرها فلا يكون حكم حكمها الا باجماع وقد اجمعوا على ان ولدها تبع لها في الملك والحرية قال مالك في مدبرة دبرت وهي حامل ان ولدها بمنزلتها وانما ذلك بمنزلة رجل اعتق جارية له وهي حامل ولم يعلم بحملها قال مالك فالسنة فيها ان ولدها يتبعها ويعتق بعتقها قال مالك وكذلك لو ان رجلا ابتاع جارية وهي حامل فالوليدة وما في بطنها لمن ابتاعها اشترط ذلك المبتاع او لم يشترطه قال مالك ولا يحل للبائع ان يستثني ما في بطنها لان ذلك غرر يضع من ثمنها ولا يدري ايصل ذلك إليه ام لا وانما ذلك بمنزلة ما لو باع جنينا في بطن امه وذلك لا يحل له لانه غرر قال ابو عمر اما قوله في المدبرة الحامل فهو قول الجمهور والقائلين بان ولدها بمنزلتها واما احتجاجه وتمثيله والجارية بالجارية تباع وهي حامل فسياتي في كتاب البيوع بيع الجارية واستثناء ما في بطنها ففي ذلك اختلاف للسلف والخلف‏.‏

وقال الشافعي في الحامل تدبر ان جاءت بولد لاقل من ستة اشهر لم يدخل في التدبير وان جاءت به لستة اشهر فصاعدا فهو مدبر مع امه وهذا عندي على احد قوليه قال مالك في مكاتب او مدبر ابتاع احدهما جارية فوطئها فحملت منه وولدت قال ولد كل واحد منهما من جاريته بمنزلته يعتقون بعتقه ويرقون برقه قال مالك فاذا اعتق هو فانصما ام ولده مال من ماله يسلم إليه اذا اعتق قال ابو عمر اجمع علماء المسلمين بان ولد الحر من سريته تبع له لا لامه وانه حر مثله واجمعوا ان ولد العبد من سريته عند من اجاز له التسري باذن سيده وعند من لم يجزه عبد تبع لابيه وملك للسيد كابيه وامه وقال الجمهور منهم ولد المكاتب من سريته اذا اذن له سيده في التسري تبع لابيه مكاتب مثله داخل في كتابته وكذلك المعتق بعضه سيده من سريته مثله واختلفوا في المدبر يتسرى فقال مالك في ‏(‏موطئه‏)‏ ما تقدم ذكره وعليه اصحابه وقال ابو حنيفة والشافعي واصحابهما ولد المدبر من سريته لا يكونون مدبرين قال الكوفيون لان لسيد المدبر ان ينتزع ماله وليس له ان ينتزع مال المكاتب فليس كالمكاتب واما الشافعي فالمدبر عنده وصية لسيده الرجوع فيه وبيعه جائز له ولا خلاف ان ولد الموصى به لا يدخل في الوصية الا ان يدخله السيد ويوصي به كما اوصى بابيه وكذلك العبد المرهون لا يدخل ولده من سريته في الرهن الا بالشرط واجمعوا على ان ولد المكاتب من سريته بمنزلته وان ولد الحر من سريته حر مثله وان ولد العبد من سريته عبد مثله عند من اجاز له التسري وعند من لم يجزه واجماعهم على هذا يقضي على ان ولد كل احد من سريته بمنزلته‏.‏

باب جامع ما في التدبير

1514- قال مالك في مدبر قال لسيده عجل لي العتق واعطيك خمسين منها منجمة علي فقال سيده نعم انت حر وعليك خمسون دينارا تؤدي الي كل عام عشرة دنانير فرضي بذلك العبد ثم هلك السيد بعد ذلك بيوم او يومين او ثلاثة قال مالك يثبت له العتق وصارت الخمسون دينارا دينا عليه وجازت شهادته وثبتت حرمته وميراثه وحدوده ولا يضع عنه موت سيده شيئا من ذلك الدين قال ابو عمر لا يجوز في تحصيل قول مالك في بيع المدبر الا من نفسه الا انه قد اختلف قوله اذا وقع البيع فيه وفات بالعتق وصار حرا وسنذكره في باب بيع المدبر ان شاء الله عز وجل واذا كان له بيعه من نفسه فتعجيل العتق له على نجوم ياخذها منه مثل ذلك في الجواز لانه لا يدخله بيع ولاء ولا شيء يكره اذا كان المدبر راضيا بذلك وقد اختلف مالك واصحابه في العبد يقول له سيده انت حر وعليك خمسون دينارا فلم يرض بذلك العبد وذكر بن القاسم في ‏(‏المدونة‏)‏ عن مالك قال اراه حرا وعليه المال احب او كره وكذلك قال اشهب ومطرف واصبغ لانه لم يوجب له الجزية الا على ان يؤدي إليه المال ولا يضره تعجيل الحرية له باللفظ وقال بن القاسم ان رضي العبد بذلك لزمه المال وان لم يرض بذلك فهو حر الساعة ولا شيء عليه قال ولا يعجبني قول مالك في الزامه له المال وقال ابو حنيفة ان قال لعبده انت حر وعليك الف درهم كان حرا بغير شيء وقال ابو يوسف ومحمد ان قبل العبد ذلك كان حرا وكان عليه المال قال ابو عمر قول بن القاسم معناه صحيح لانه قوله لعبده انت حر لا مرجع له فيه جادا كان او لاعبا وقوله بعد وعليك من المال كذا اثبات مال في ذمة حر بغير رضاه وبغير عوض طلبه واشتراه ولا يجوز ذلك باجماع في ذمة حر وقال بن الماجشون العبد بالخيار ان شاء التزم المال وكان حرا وان شاء لم يلزمه ولا حرية له قال وهو بمنزلة قوله انت حر على ان عليك كذا وكذا فهو بالخيار قال ابو عمر ليس قوله انت حر على ان عليك كذا مثل قوله انت حر وعليك كذا وكذا لأن قوله انت حر على ان عليك كذا في كلام متصل شرط منه عليه ان رضيه لزمه ولا يصح في هذا القول دعوى الندم واذا اطلق له انت حر وعليك كذا فظاهره قد اوجب له الحرية ثم ندم فاوجب عليه معها شيئا لم يرضه فلا يلزمه من ذلك ما لم يرض ولم يختلفوا انه اذا قال لامراة انت طالق وعليك كذا انها طالق رضيت بما جعل عليها ‏(‏بعد‏)‏ الطلاق ام لم ترض وكذلك قوله انت حر وعليك كذا والله اعلم‏.‏

وقال الشافعي اذا قال انت حر على ان عليك الف درهم او خدمة سنة فقيل له لزم ذلك وكان دينا عليه فان مات قبل ان يخدمه رجع المولي بقيمة الخدمة في ماله ان كان له مال قال ابو عمر هذا يدل على انه ان قبل كان حرا في الوقت وكانت الدراهم عليه دينا والخدمة‏.‏

وقال مالك اذا قال انت حر على ان تخدمني سنة فان كان عجل عتقه على ان يخدمه فهو حر والخدمة ساقطة عنه وان اراد ان يجعل عتقه بعد الخدمة لم يعتق حتى يخدمه سنة والسنة من وقت القول خدم او ابق او مرض وسواء قال ‏(‏هذه السنة‏)‏ او ‏(‏السنة‏)‏ قال ابو حنيفة وابو يوسف اذا قال انت حر على ان تخدمني اربع سنين فقبل فعتق ثم مات السيد ساعتئذ فعليه قيمة نفسه وقال محمد عليه قيمة خدمته اربع سنين‏.‏

وقال مالك في رجل دبر عبدا له فمات السيد وله مال حاضر ومال غائب فلم يكن في ماله الحاضر ما يخرج فيه المدبر قال يوقف المدبر بماله ويجمع خراجه حتى يتبين من المال الغائب فان كان فيما ترك سيده مما يحمله الثلث عتق بماله وبما جمع من خراجه فان لم يكن فيما ترك سيده ما يحمله عتق منه قدر الثلث وترك ماله في يديه قال ابو عمر على هذا اصله على ان العبد والمدبر تبعه ماله واما عند الشافعي وابي حنيفة واصحابهما فمال العبد والمدبر لسيده ولا يقوم في الثلث الا شخصه ورقبته دون ماله ولم يختلف مالك واصحابه ان المدبر لا يقوم في الثلث الا بجميع ماله وقالوا في المدبر يموت سيده ولا تخرج رقبته وماله من الثلث انه يعتق بعضه ويرق بعضه على حسب ما يحمل الثلث منه وما لا يحمله ويبقى جميع المدبر بيده وذكر بن حبيب ان بن وهب يقول ما خرج من الثلث من المال فهو باق بيد المدبر وما لم يخرج فهو مال للميت ورواه عن ربيعة والله الموفق‏.‏